۞ شكر اللهُ سعيَكم

بقلم: أحمد عبد الرحيم


بعد أخذٍ ورَدّ، وموافقةٍ ورفض، قرَّرتُ أنا المواطن المصري الذي ثار ليُحَرِّر ويتحَرَّر، وانتفض ليُغيِّر ويتغَيَّر؛ قرَّرتُ وحسمتُ أمري أن أبعث لوزارة الدكتور عصام شرف وللمجلس العسكري بهذه البرقية العاجلة:
(شكر الله سعيكم..)
نعم لقد قمنا بثورة تغييرٍ وإصلاحٍ وحرية، وبُحَّ صوتنا بالصراخ طلبًا للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وقبل ذلك إسقاط النظام.
ما هذا الذي نراه؟ ما هذا الذي تنحدر إليه الأوضاع؟
إخلاء سبيل .. دعوة للاعتذار.. حوار وطني يُدعى له رموزٌ من الحزب الوطني البائد.. تحذير من تدهور الأحوال الاقتصادية في البلاد.. ترهيب وتخويف من أننا على شفا ثورة جياع.. مؤسسات الدولة ما زال يديرها ويرأسها الفاسدون والخونة واللصوص.
لن تُبنى مصر إلاَّ بعد أن تتطهَّر ممَّن دنَّسوها وهتكوا عرضها الطاهر، لن تعود مصر إلينا مصر التي نريد إلاَّ بعد أن يرحل هؤلاء، لن يخدعنا أحدٌ بمحاكمةٍ لمبارك وأسرته أو وزرائه الذين لا يزيد عددهم على أصابع اليد الواحدة. إنَّ الحزب الوطني البائد كان ينتمي له كما زعموا أكثر من مليوني مواطن، و رجال أعماله الذين نهبونا ثرواتنا وسرقوا أموالنا وزوَّروا انتخاباتنا يزيد عددهم على الآلاف، أين هؤلاء؟؟؟
ليسقط كلُّ رموز الحزب الوطني، وكلُّ مَن كانوا ينتمون إليه، وينافقون ويطبِّلون ويُصفِّقون له، ليُحاكموا جميعًا على دم الشهداء الذي أُهدر، ليُحاكموا محاكمةَ المجرمين على ما أوصلوا إليه مصر، لا ليُدعوا إلى الحوار الوطني.
 إنَّ الروح الثورية التي انتفضت فينا يوم 25 يناير، والوجوه التي تخضَّبت بالدماء في تلك الثورة، لن تقبل بهذه الوجوه المقيتة والبغيضة والكريهة والمكروهة من الشعب والملعونة من التاريخ، ولن نسامح مَن  أتى بها ودعاها للحوار.
قلنا نعم لسيادة القانون وتطبيق العدالة، ولكن.. أن تتغافل عيون العدالة عن رؤية الحقوق، وأن تُصم آذانها عن سماع المطالب المشروعة، فما هذه بثورة، وما نحن برجالاتها إن سمحنا لكم أن تفعلوا هذا !
 لتتوقف الآن تلك المحاكمات الهزلية حول الكسب غير المشروع، ولا نريد سوى محاكمة هؤلاء المسؤولين الفاسدين المزورين  على ما أوصلوا إليه البلاد أولاً، ثم على تسببهم بصورةٍ أو بأخرى في إزهاق أرواح الشهداء، وهذا يكفينا.
نحن المصريين لا يهمنا أن نعرف أو لا نعرف أن هؤلاء مدانون بجرائم كسب غير مشروع، أو سرقة أموال، إنَّ جريمتهم الكبرى عندنا هي جريمة إفساد مصر، نعم إفساد مصر على مدى عقودٍ طويلة، ألا يوجد في القانون ما يجرِّم هذا الفعل؟ فإن كان لا يوجد نضع لكم نحن قانونًا لهذه الجريمة التي تفوق كلَّ جرائم السرقة التي تحاسبونهم عليها.
أيها المجلس العسكري الموقَّر.. أيتها الحكومة المبجَّلة.. أيها السياسيون.. أيها العجائز.. يبدو أنه مضى زمنكم، وبطلت حكمتكم، ويبدو أيضًا أنَّ مصر القادمة لن تقوم بأيديكم، ولا بحواركم ووفاقكم الوطني، أو بالأحرى خيبتكم الوطنية، امضوا من حيث أتيتم، وشكر الله سعيكم.

۞ الرُّهاب.. مَرضُ الثَّوْرَةِ المصريَّة



بقلم: أحمد عبد الرحيم
نعم.. وبكلِّ صراحة، لقد أصاب المصريين بعد نجاح ثورتهم ذلك المرض، مرضُ الخوف، الذي إن كان في الماضي خوفًا مبرَّرًا، عانينا منه في ظلِّ العيش تحت القهر والبطش والاستبداد والذل؛  فإنه صار الآن رُهابًا من ممارسات الماضي، ومن المسمَّيات، ومن السلطة بكلِّ أشكالها؛ أمنيةً كانت أو مؤسَّسية أو حتى قانونية.
 ومرضُ الرُّهاب أو الفوبيا أو الخوف اللامنطقي من الأشخاص أو الأشياء، هو أخطر الأمراض – في نظري-  التي أصابت المصريين بعد الثورة، وهو ذاتُه الذي يتسبَّب فيما يعاني منه المصريون اليوم: من فتنةٍ قد تُودِي بوحدة المصريين التي لم تتفكك منذ آلاف السنين، ومن ضياعٍ للأمن في النفوس والمؤسسات والشوارع، وخلقٍ لذلك الجدلِ الساذج حول  حتمية  تطبيق سلطة القانون كحلٍّ للفوضى التي نمر بها، والتي من المُفترَض أن تكون فوق كلِّ السلطات، وهي كذلك في كلِّ دول العالم المتحضِّر، فأصبحنا نرى الدولة تستعين بمشايخَ وقساوسة ورجال مجتمع؛ لحلِّ قضاياها ونزاعات أبنائها، وكأننا نبني وطنًا من جديد، ونبحث لمشاكله عن حلول!
 ومن أشدِّ مظاهر الخوف اللامنطقي عند المصريين اليوم الخوفُ المتبادَل بين رجال الشرطة والمواطنين، والذي لم تُجدِ معه - إلى الآن- كلُّ نداءات (الشرطة والشعب إيد واحدة)، فأصبح الشارع المصريُّ يكاد يخلو من رجال الشرطة، وإن وُجدوا فيه فلتنظيم المرور، أو لأداء وظيفةٍ يخاف صاحبُها أن يُهدَّد بالفصل منها، أو بالسجن إذا اعتدى على أحد المواطنين. أمَّا ما عهدناه – مجازًا- عن رجل الشرطة الذي يُعرف عند المصريين بـ"رجل الأمن" فغير موجود؛ إذ تخلَّى رجل الشرطة المصريّ عن دوره في حماية الأمن طوعًا، كما تخلَّى قسرًا عن سلطة البطش والقهر التي كان يمارسها من قبلُ ضد المواطنين.
وقد بدت أعراض هذه الفوبيا تظهر حينما واجهت الشرطة المتظاهرين بضراوةٍ وعنفٍ أخرق، كَسَرَ - هو نفسُه– حاجزَ الخوف بين الشرطة والشعب، وتعالت هتافات المصريين بعد انسحاب الشرطة المُخزي يوم جمعة الغضب، فردد الثوار: (كلنا لجان شعبية، وهنحمي الجمهورية، من الشرطة البلطجية). ولعلهم نسوا أو أنستهم القنابل المسيِّلة للدموع أنَّ الشرطة كانت هي الأمن، وستظل، وهي التي تحمي الشعب من البلطجية والمجرمين!
ومن مظاهر الفوبيا عند المصريين اليوم، الفوبيا من المسميات، فأصبح المصريُّ لا يطيق أن يسمع عبارة أمن الدولة، أو حالة الطوارئ، حتى إنني سمعت من هتافات ميدان التحرير قولَ الثوار: (بالتلاتة طالق طالق، أمن الدولة والطوارئ)، أي ذهابٍ بلا رجعة. وقد استجابت الحكومة للثوار عملاً بمبدأ الشرعية من التحرير، فألغت مشكورةً حالة الطوارئ، وغيَّرت اسم أمن الدولة إلى الأمن الوطني!
وأنا أكاد أجزم أنَّ الشعب ما زال عنده فوبيا من مجلس الشعب ومجلس الشورى والمجالس المحلية والمحافظين ورؤساء الأحياء، وفوق كلِّ ذلك الفوبيا العظمى من منصب رئيس الجمهورية.
أما فوبيا المصطلحات والأحزاب السياسية فحدِّث ولا حرج، فالإسلاميون بمختلف توجُّهاتهم يخشون من الليبراليين والعلمانيين، وإن زعموا غير ذلك. وهؤلاء بدورهم يستعدُّون لمواجهة المدِّ الإسلامي الذي خلت الساحة أمامه، فبعد أن كانت الجماعة الممثِّلة لذلك التيار تُسمَّى جماعة الإخوان المحظورة، أصبح يُنتظر لها أن يكون حزبها هو حزب الأغلبية في البرلمان!
وارتفعت حدَّة تلك الفوبيا حينما طغى على الساحة المصرية ذلك الصراع الأحمق بين السلفيين والكنيسة حول إسلام هذه أو خطف تلك. وكأنَّ مصر التي هي منذ آلاف السنين بلدٌ للمصريين، نخشى الآن أن تصبح إمارةً سلفية أو فاتيكانًا آخر ولكن للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية!
وإن كانت أعراض هذا الخوف اللامنطقي قد لا تبدو واضحةً عند بعض المثقَّفين والكُتَّاب؛ لأنهم يحاولون تجميل الصورة وإظهار الحيادية والموضوعية، والقدرة التنظيرية المطلقة على مواجهة مشاكل الشعب المصري وأزماته؛ إلاَّ أن وجوه الناس في الشوارع ونظراتهم الحائرة، وتصرفاتهم التي هي في كثيرٍ من الأحيان متهوِّرة، كلَّ ذلك يجعل من الضروريِّ أن نبحثَ عن حلٍّ لكلِّ هذا الخوف الذي أصاب المصريين بعد الثورة، والذي أرى أنه خوفٌ طبيعيٌّ بل صحيّ، لجسد أمةٍ عانت لعقودٍ طويلةٍ من خوفٍ جبريّ، أَخْرَسَ لسانَها، وأعمى عينَها، بل وبَلَّد قلب الكثيرين من أبنائها.
وما أطرحه هنا كحلٍّ لهذا المرض: أنَّه كما أنَّ الرُّهاب المرضيَّ ليس كلُّه بدرجةٍ واحدةٍ من الخطورة والضَّرر، كذلك فإنَّ الكثيرَ من هذه المخاوف لدى المصريين هي مخاوفُ وقتية، ولعل بعضها ضروريّ بعد الثورات، كخوفِ المصريين من أمن الدولة والطوارئ ورفضهم للحزب الوطني. ولكنَّ التمادي في هذا الخوف حتى يتحوَّلَ رفضُ أمن الدولة لرفض الشرطة، ورفض الطوارئ لرفض القانون، ورفض الحزب الوطني وممارساته السُّلطوية الموحَّدة، إلى رفض كلِّ فصيلٍ من أبناء الوطن - دينيًّا كان أم سياسيًّا- للفصيل الآخر؛ فهذا هو الرُّهاب الذي ينبغي علينا جميعًا مواجهته.
ولتصمُتْ الآن كلُّ الشعارات ، وليعلُ قولُنا: الشعب يريد أن يحمي ثورته.
 وأيضًا كما أنَّ الرُّهاب المرضي لم ينجع معه أيُّ علاجاتٍ نفسيةٍ وقتية، أو مسكناتٍ وأدويةٍ موضعية، إلا طريقة واحدة للتخلُّص من هذا المرض؛ كذلك فإنَّ التخبُّط والخوف الذي يمرُّ به المصريون ليس له إلا علاجٌ واحد. والعلاج في الحالتين هو: (المواجهة).
ولتبدأ مواجهة الدولة للشعب، بتفعيل سلطة القانون فورًا، أيًّا كان هذا القانون مادامت السلطة التي ارتضاها الشعب ارتأت أنَّ هذا القانون في مصلحته، فعلى أفراد الشعب أن يستجيبَ - طوعًا أو جبرًا- لسلطة القانون، ومَن يخالفه يُعاقَب.
 وليس أمام الشعب إذا بدا له عدم صلاحية هذا القانون إلاَّ أن يتوجَّه للمنافذ الشرعية (البرلمان) لتغييره. وما ارتضى تغييره، يصير متغيره قانونًا يجب تطبيقه واحترامه.
والمواجهة الثانية هي مواجهة الشرطة للشعب وكذلك مواجهة الشعب للشرطة، وليفهم الجميعُ أنَّ الشرطة جهازٌ قانونيٌّ وتنفيذيُّ سُلطويّ، قانوني من حيثُ إنَّه لا يُفعَّل عملُه إلاَّ في وجود قانونٍ يصدر من الجهة القانونية (القضائية) يجب تنفيذُه ويحظر مخالفتُه، وسُلطويّ لأنه مادام يلتزم بالقوانين بما في ذلك قوانين حماية الإنسان، فيجب على جميع أفراد الشعب معاونته في أداء عمله والاستجابة له، وله كامل الحق في استخدام كافة وسائل المواجهة ضد المجرمين والقتلة. ويجب أن يكون أفراد الشرطة وكذلك أفراد الشعب على قناعةٍ تامَّةٍ بذلك. والتحدِّي الأكبر أمام رجال الشرطة أن يُثبتوا للشعب أنهم منه، وينبُذون من داخلهم كلَّ فاسدٍ نَفْعِيّ، يضرُّ بمصلحة هذا الشعب.
وأما المواجهة الثالثة فهي المواجهة بين التيارات السياسية المختلفة، وهي لن تكون إلا مواجهةً فكرية. فليواجه الإسلاميُّ الليبراليَّ وغيرَه بما شاء من أفكار، وليواجه الاشتراكيَّ الرأسماليُّ بما شاء، وليتنافسوا أحزابًا حول مقاعد البرلمان، ولنترك اختيارَ الأصلح للشعب. وليُخطئ الشعبُ في اختياره لممثِّليه في البرلمان أو في اختياره لرئيسه، ثم لا يلبث سنواتٍ ويتدارك أمره، ما دمنا نعيش في ديمقراطيةٍ وتداولٍ للسلطة.
 ولنعِش على هذا الوطن أخوةً متحابين، لا نبتغي سوى رفعته، ولا نرجو سوى الأمان والخير لكلِّ أبنائه، وإن كان لكلٍّ منَّا مشربُه وتوجهُه المختلف عن الآخر.
 ولنتذكر جيدًا أنَّنا ورثنا عن شهداء هذه الثورة المجيدة كنـزًا لا ينبغي علينا أن نضيِّعه كما ضاعت من مصر كنوزٌ عظيمةٌ من قبل؛ لأنَّ هذا الكنـز هو أغلاها وأعظمها على الإطلاق. إنَّه "كنـز الحريَّة" الذي – أزعمُ- أنه لم يعرفه آباؤنا ولا أجدادنا.
 فعارٌ علينا أن نفرِّط فيه، ولنتعاهد جميعًا ألاَّ نُسلِّم مصر إلى أبنائنا إلاَّ وهي حرَّةٌ ومتحضرةٌ ومتقدمة؛ ليحيوا على أرضها أحرارًا.   

۞ نداءٌ عاجل.. وأنا على ثورتي أبكي


بقلم: أحمد عبد الرحيم

صُدمتُ كما صُدِم الكثيرون من قرار الإفراج عن زكريا عزمي ومن قبله فتحي سرور بكفالة، ثمَّ تطوَّرت أعراض الصدمة غير المتوقَّعة إلى أن صارت صاعقة؛ حينما طالعتنا الصحف (الغرَّاء!) بنيَّة الرئيس السابق في تقديم الاعتذار والتنازل عن ممتلكاته مقابل إخلاء سبيله؛ خاصةً وقد تم ذلك مع زوجته التي أخلت نيابة الكسب غير المشروع سبيلها بعد تنازلها عن أموالها للشعب، والتي تُقدَّر – كما يقولون-  بأربعةٍ وعشرين مليون جنيه مصري.. يا له من مبلغٍ كبير!!! تنازلتْ سيادتها عنه للشعب الذي سرقته منه!
 والعجيب أنَّ ذلك قد تمَّ بعد أن صدر قرار بحبسها خمسة عشر يومًا، لم تقضِ منها إلا أربعة أو خمسة أيامٍ في المستشفى.
وحاولتُ عبثًا إفاقة نفسي من هذه الصدمة وتلك الصاعقة، وتناولتُ ما وقع في يدي من حبوب احترام سلطة القانون، وحُقن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وكانت النتيجة: أن أغمى عليّ، وحملوني إلى المستشفى، وسريعًا أحضروا لي محلول الثورة في يدِ حكومةٍ أمينةٍ أتت من التحرير، فتوقَّف قلبي، فقام الطبيب فَزِعًا إلى جهاز إنعاش القلب، فأنعش قلبي بأنَّ المجلس العسكري الذي حمى الثورة ورفض قتل المتظاهرين هو مَن يديرُ شؤون البلاد، وقد تعهَّد أمام الشعب المصري بأنه سيحمي الشرعية الثورية، وسيسعى جاهدًا بحزمٍ وقوةٍ لحماية مطالب الثوار والقضاء على رموز الفساد. ولم يُجدِ إنعاشهم لقلبي نفعًا، كما لم ينفع معي من قبل حباتُ مسكِّنهم أو حقنهم  المنتهية الصلاحية، ومازلتُ إلى الآن أنتظر قرار نقلي سريعًا لميدان التحرير؛ لتدهور حالتي الصحية.. ولا أراكم الله مكروهًا في عزيزٍ لديكم.
                        إمضاء: ثورة مصر       

۞ هل أصبح الفيس بوك رئيسًا لمصر؟!


بقلم: أحمد عبد الرحيم

لقد كان المصريون فيما سبق يتسامرون ليلاً، بعد معاناة يوم عملٍ شاق، أمَّا الآن فأصبح المصريون يتسامرون ويتحاورون في الفيس بوك على مدار ساعات اليوم كلِّه، والجميع يطرح رؤاه وتعليقاته، ويُبدي تأييدَه وإعجابه، أو رفضه وغضبه من الآخر - أيًّا كان- بل وسبَّه أحيانًا إذا لزم الأمر، ولا غرو؛ فشتان بين حديث اللسان وحديث الأصابع على الكيبورد.
ولم يكن الإنسان فيما مضى ليسامر إلاَّ أصدقاءه والمقربين منه، وآراؤه وأفكاره في أغلب الأحيان لا تتعدَّى ذلك الحيِّز الضيق، أمَّا الآن فالحقُّ للكلِّ في نقاش الكل، وأصبح الفيس بوك محيطًا هادرًا تتلاطم فيه أمواجُ أفكارٍ لا أوَّل لها ولا آخر، ولا ضابط لها كما يقولون ولا رابط.   
والمتأمِّل فيما كان وما أصبح قد يبدو له الأمر تطوُّرًا طبيعيًا يوازي كافَّة التغيُّرات التي طرأت على حياة الإنسان؛ ولكني هنا أرى أنَّ ثـمَّة تفرُّدًا للمصريين في تعاملهم مع ذلك الضيف الإلكتروني. نعم.. لا يختلفُ أحدٌ أنَّ الفيس بوك هو من غيَّر حياة المصريين بل وتاريخهم المعاصر تمامًا؛ حينما طرح عليه بعض الشباب فكرة الخروج يوم الخامس والعشرين من يناير للصراخ - وللصراخ فقط- في ميادين مصر المختلفة؛ تعبيرًا عن رفضهم لما انحدرت إليه  أحوال بلادهم الداخلية والخارجية، وأزعم أنه لم يكن في أذهانهم أيُّ رؤًى واضحةٍ مستقرَّةٍ لصورة هذا التغيير، ولكنَّهم كانوا وطنيين ومخلصين، فكلَّل الله مسعاهم وإخلاصهم بنجاح ثورتهم المجيدة، وساعدهم في ذلك ما كان يتمتَّع به النظام السابق ومؤيِّدوه من أنانيةٍ وغرور، وما اجتمع فيهم جميعًا – إمَّا مصادفةً أو اختيارًا إلهيًّا محكمًا-  من غباءٍ فطريٍّ وشَرَهٍ لحبِّ السُّلطة والمال أوقعهم في أخطاءٍ وحماقات كانت كفيلةً بالقضاء على ذاك النظام، وتحوُّلِ رموزه جميعًا من ساكني القصور إلى ساكني السجون.. ولا عزاء.
والسؤال.. هل توقَّف دور الفيس بوك بعد نجاح الثورة عن التحريض الإيجابي للتحرُّك نحو التغيير والقضاء على الفساد، وتحوَّل ليعود مرةً أخرى إلى دوره الأساسي في الحوار والنقاش الثقافي والسياسي والاجتماعي؟ ودوره – بالمناسبة- لا يتعدَّى ذلك في كلِّ بلاد الدنيا عدا مصر والبلاد العربية.
تأمَّلتُ وأنا أفكرُّ في أمر هذا الفيس بوك قولَه تعالى: "ولو اتَّبعَ الحقُّ أهواءَهم لفسدت السماوات والأرض".
 وتساءلت: هل من الصالح للمجتمع أن يكون لكلِّ إنسانٍ الحقُّ في طرح أفكاره التي يؤمن بها، والدعوة إليها، أيًّا كانت هذه الأفكار؟
وهل من الممكن للدولة كدولة مؤسساتٍ أن تدخل في نقاشٍ وجدالٍ مع أفراد المجتمع  (فُرادى) حول رؤاهم وتصوُّراتهم عن قضايا ومشاكل مجتمعهم؟
 وهل لأفراد المجتمع أن يتَّخذوا قراراتٍ مَصِيريةً ويُجمعوا عليه، ويحشدوا الآلاف في مظاهرةٍ مليونية -كما اصطُلح على تسمية المظاهرات ذات الطابع المصيري والطلبات التي لا رجعة فيها- لتأكيد ضرورة تنفيذها (كما حدث في الثورة)؟
ولا شكَّ أن الشعب لن ينتهي، ويوم الجمعة لن ينتهي أيضًا، وميدان التحرير لن يهاجر من مصر لدولةٍ أخرى، ولكن.. .
وفي محاولة للإجابة على هذه الأسئلة الثلاث تصادمتُ بحائطٍ مكتوبٌ عليها:
مصر الآن يتحقَّق فيها كلُّ ما تتساءل عنه، وما لم يأتِ لمصرَ رئيسٌ قويٌّ عادلٌ حكيم، ينجح بحكمته في أن يوصل لهذا الشعب أنَّ الدولة المتحضرة لا تقوم على أفراد (رؤساءَ كانوا أو مرؤوسين) وإنما تقوم على مؤسَّسات يفوِّضها الأفراد مُجمعين من خلال برلمانٍ مُنتخب لإدارة شؤونها داخليًّا وخارجيًا.
 وينجح أيضًا بقوته التي ينقلها لمؤسسات الدولة أن يوصل للشعب أنَّ حريته تحتاج لقوةٍ قانونية وأمنية تحميها وترشِّدها، وإلا تحوَّلت تلك الحرية إلى فوضى. والتفرقة بين هذه وتلك لن تتم إلا بسلطة القانون وقوته.
وينجح أيضًا بعدله أن يوصل للشعب أنَّ كلَّ أفراده في عينه سواء، وكما أنَّه لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ إلاَّ بالتقوى، كذلك فلا فضلَ لمصريٍّ على مصريٍّ إلاَّ بمدى احترامه للقانون وتنفيذه له.
وإلى أن يأتي هذا الرئيس..
للأسف،
سيظل الفيس بوك رئيسًا لمصر.

۞ الرُّهاب.. مَرضُ الثَّوْرَةِ المصريَّة



بقلم: أحمد عبد الرحيم
نعم.. وبكلِّ صراحة، لقد أصاب المصريين بعد نجاح ثورتهم ذلك المرض، مرضُ الخوف، الذي إن كان في الماضي خوفًا مبرَّرًا، عانينا منه في ظلِّ العيش تحت القهر والبطش والاستبداد والذل؛  فإنه صار الآن رُهابًا من ممارسات الماضي، ومن المسمَّيات، ومن السلطة بكلِّ أشكالها؛ أمنيةً كانت أو مؤسَّسية أو حتى قانونية.
 ومرضُ الرُّهاب أو الفوبيا أو الخوف اللامنطقي من الأشخاص أو الأشياء، هو أخطر الأمراض – في نظري-  التي أصابت المصريين بعد الثورة، وهو ذاتُه الذي يتسبَّب فيما يعاني منه المصريون اليوم: من فتنةٍ قد تُودِي بوحدة المصريين التي لم تتفكك منذ آلاف السنين، ومن ضياعٍ للأمن في النفوس والمؤسسات والشوارع، وخلقٍ لذلك الجدلِ الساذج حول  حتمية  تطبيق سلطة القانون كحلٍّ للفوضى التي نمر بها، والتي من المُفترَض أن تكون فوق كلِّ السلطات، وهي كذلك في كلِّ دول العالم المتحضِّر، فأصبحنا نرى الدولة تستعين بمشايخَ وقساوسة ورجال مجتمع؛ لحلِّ قضاياها ونزاعات أبنائها، وكأننا نبني وطنًا من جديد، ونبحث لمشاكله عن حلول!
 ومن أشدِّ مظاهر الخوف اللامنطقي عند المصريين اليوم الخوفُ المتبادَل بين رجال الشرطة والمواطنين، والذي لم تُجدِ معه - إلى الآن- كلُّ نداءات (الشرطة والشعب إيد واحدة)، فأصبح الشارع المصريُّ يكاد يخلو من رجال الشرطة، وإن وُجدوا فيه فلتنظيم المرور، أو لأداء وظيفةٍ يخاف صاحبُها أن يُهدَّد بالفصل منها، أو بالسجن إذا اعتدى على أحد المواطنين. أمَّا ما عهدناه – مجازًا- عن رجل الشرطة الذي يُعرف عند المصريين بـ"رجل الأمن" فغير موجود؛ إذ تخلَّى رجل الشرطة المصريّ عن دوره في حماية الأمن طوعًا، كما تخلَّى قسرًا عن سلطة البطش والقهر التي كان يمارسها من قبلُ ضد المواطنين.
وقد بدت أعراض هذه الفوبيا تظهر حينما واجهت الشرطة المتظاهرين بضراوةٍ وعنفٍ أخرق، كَسَرَ - هو نفسُه– حاجزَ الخوف بين الشرطة والشعب، وتعالت هتافات المصريين بعد انسحاب الشرطة المُخزي يوم جمعة الغضب، فردد الثوار: (كلنا لجان شعبية، وهنحمي الجمهورية، من الشرطة البلطجية). ولعلهم نسوا أو أنستهم القنابل المسيِّلة للدموع أنَّ الشرطة كانت هي الأمن، وستظل، وهي التي تحمي الشعب من البلطجية والمجرمين!
ومن مظاهر الفوبيا عند المصريين اليوم، الفوبيا من المسميات، فأصبح المصريُّ لا يطيق أن يسمع عبارة أمن الدولة، أو حالة الطوارئ، حتى إنني سمعت من هتافات ميدان التحرير قولَ الثوار: (بالتلاتة طالق طالق، أمن الدولة والطوارئ)، أي ذهابٍ بلا رجعة. وقد استجابت الحكومة للثوار عملاً بمبدأ الشرعية من التحرير، فألغت مشكورةً حالة الطوارئ، وغيَّرت اسم أمن الدولة إلى الأمن الوطني!
وأنا أكاد أجزم أنَّ الشعب ما زال عنده فوبيا من مجلس الشعب ومجلس الشورى والمجالس المحلية والمحافظين ورؤساء الأحياء، وفوق كلِّ ذلك الفوبيا العظمى من منصب رئيس الجمهورية.
أما فوبيا المصطلحات والأحزاب السياسية فحدِّث ولا حرج، فالإسلاميون بمختلف توجُّهاتهم يخشون من الليبراليين والعلمانيين، وإن زعموا غير ذلك. وهؤلاء بدورهم يستعدُّون لمواجهة المدِّ الإسلامي الذي خلت الساحة أمامه، فبعد أن كانت الجماعة الممثِّلة لذلك التيار تُسمَّى جماعة الإخوان المحظورة، أصبح يُنتظر لها أن يكون حزبها هو حزب الأغلبية في البرلمان!
وارتفعت حدَّة تلك الفوبيا حينما طغى على الساحة المصرية ذلك الصراع الأحمق بين السلفيين والكنيسة حول إسلام هذه أو خطف تلك. وكأنَّ مصر التي هي منذ آلاف السنين بلدٌ للمصريين، نخشى الآن أن تصبح إمارةً سلفية أو فاتيكانًا آخر ولكن للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية!
وإن كانت أعراض هذا الخوف اللامنطقي قد لا تبدو واضحةً عند بعض المثقَّفين والكُتَّاب؛ لأنهم يحاولون تجميل الصورة وإظهار الحيادية والموضوعية، والقدرة التنظيرية المطلقة على مواجهة مشاكل الشعب المصري وأزماته؛ إلاَّ أن وجوه الناس في الشوارع ونظراتهم الحائرة، وتصرفاتهم التي هي في كثيرٍ من الأحيان متهوِّرة، كلَّ ذلك يجعل من الضروريِّ أن نبحثَ عن حلٍّ لكلِّ هذا الخوف الذي أصاب المصريين بعد الثورة، والذي أرى أنه خوفٌ طبيعيٌّ بل صحيّ، لجسد أمةٍ عانت لعقودٍ طويلةٍ من خوفٍ جبريّ، أَخْرَسَ لسانَها، وأعمى عينَها، بل وبَلَّد قلب الكثيرين من أبنائها.
وما أطرحه هنا كحلٍّ لهذا المرض: أنَّه كما أنَّ الرُّهاب المرضيَّ ليس كلُّه بدرجةٍ واحدةٍ من الخطورة والضَّرر، كذلك فإنَّ الكثيرَ من هذه المخاوف لدى المصريين هي مخاوفُ وقتية، ولعل بعضها ضروريّ بعد الثورات، كخوفِ المصريين من أمن الدولة والطوارئ ورفضهم للحزب الوطني. ولكنَّ التمادي في هذا الخوف حتى يتحوَّلَ رفضُ أمن الدولة لرفض الشرطة، ورفض الطوارئ لرفض القانون، ورفض الحزب الوطني وممارساته السُّلطوية الموحَّدة، إلى رفض كلِّ فصيلٍ من أبناء الوطن - دينيًّا كان أم سياسيًّا- للفصيل الآخر؛ فهذا هو الرُّهاب الذي ينبغي علينا جميعًا مواجهته.
ولتصمُتْ الآن كلُّ الشعارات ، وليعلُ قولُنا: الشعب يريد أن يحمي ثورته.
 وأيضًا كما أنَّ الرُّهاب المرضي لم ينجع معه أيُّ علاجاتٍ نفسيةٍ وقتية، أو مسكناتٍ وأدويةٍ موضعية، إلا طريقة واحدة للتخلُّص من هذا المرض؛ كذلك فإنَّ التخبُّط والخوف الذي يمرُّ به المصريون ليس له إلا علاجٌ واحد. والعلاج في الحالتين هو: (المواجهة).
ولتبدأ مواجهة الدولة للشعب، بتفعيل سلطة القانون فورًا، أيًّا كان هذا القانون مادامت السلطة التي ارتضاها الشعب ارتأت أنَّ هذا القانون في مصلحته، فعلى أفراد الشعب أن يستجيبَ - طوعًا أو جبرًا- لسلطة القانون، ومَن يخالفه يُعاقَب.
 وليس أمام الشعب إذا بدا له عدم صلاحية هذا القانون إلاَّ أن يتوجَّه للمنافذ الشرعية (البرلمان) لتغييره. وما ارتضى تغييره، يصير متغيره قانونًا يجب تطبيقه واحترامه.
والمواجهة الثانية هي مواجهة الشرطة للشعب وكذلك مواجهة الشعب للشرطة، وليفهم الجميعُ أنَّ الشرطة جهازٌ قانونيٌّ وتنفيذيُّ سُلطويّ، قانوني من حيثُ إنَّه لا يُفعَّل عملُه إلاَّ في وجود قانونٍ يصدر من الجهة القانونية (القضائية) يجب تنفيذُه ويحظر مخالفتُه، وسُلطويّ لأنه مادام يلتزم بالقوانين بما في ذلك قوانين حماية الإنسان، فيجب على جميع أفراد الشعب معاونته في أداء عمله والاستجابة له، وله كامل الحق في استخدام كافة وسائل المواجهة ضد المجرمين والقتلة. ويجب أن يكون أفراد الشرطة وكذلك أفراد الشعب على قناعةٍ تامَّةٍ بذلك. والتحدِّي الأكبر أمام رجال الشرطة أن يُثبتوا للشعب أنهم منه، وينبُذون من داخلهم كلَّ فاسدٍ نَفْعِيّ، يضرُّ بمصلحة هذا الشعب.
وأما المواجهة الثالثة فهي المواجهة بين التيارات السياسية المختلفة، وهي لن تكون إلا مواجهةً فكرية. فليواجه الإسلاميُّ الليبراليَّ وغيرَه بما شاء من أفكار، وليواجه الاشتراكيَّ الرأسماليُّ بما شاء، وليتنافسوا أحزابًا حول مقاعد البرلمان، ولنترك اختيارَ الأصلح للشعب. وليُخطئ الشعبُ في اختياره لممثِّليه في البرلمان أو في اختياره لرئيسه، ثم لا يلبث سنواتٍ ويتدارك أمره، ما دمنا نعيش في ديمقراطيةٍ وتداولٍ للسلطة.
 ولنعِش على هذا الوطن أخوةً متحابين، لا نبتغي سوى رفعته، ولا نرجو سوى الأمان والخير لكلِّ أبنائه، وإن كان لكلٍّ منَّا مشربُه وتوجهُه المختلف عن الآخر.
 ولنتذكر جيدًا أنَّنا ورثنا عن شهداء هذه الثورة المجيدة كنـزًا لا ينبغي علينا أن نضيِّعه كما ضاعت من مصر كنوزٌ عظيمةٌ من قبل؛ لأنَّ هذا الكنـز هو أغلاها وأعظمها على الإطلاق. إنَّه "كنـز الحريَّة" الذي – أزعمُ- أنه لم يعرفه آباؤنا ولا أجدادنا.
 فعارٌ علينا أن نفرِّط فيه، ولنتعاهد جميعًا ألاَّ نُسلِّم مصر إلى أبنائنا إلاَّ وهي حرَّةٌ ومتحضرةٌ ومتقدمة؛ ليحيوا على أرضها أحرارًا.   

        



۞ هل أصبح الفيس بوك رئيسًا لمصر؟!


بقلم: أحمد عبد الرحيم
لقد كان المصريون فيما سبق يتسامرون ليلاً، بعد معاناة يوم عملٍ شاق، أمَّا الآن فأصبح المصريون يتسامرون ويتحاورون في الفيس بوك على مدار ساعات اليوم كلِّه، والجميع يطرح رؤاه وتعليقاته، ويُبدي تأييدَه وإعجابه، أو رفضه وغضبه من الآخر - أيًّا كان- بل وسبَّه أحيانًا إذا لزم الأمر، ولا غرو؛ فشتان بين حديث اللسان وحديث الأصابع على الكيبورد.
ولم يكن الإنسان فيما مضى ليسامر إلاَّ أصدقاءه والمقربين منه، وآراؤه وأفكاره في أغلب الأحيان لا تتعدَّى ذلك الحيِّز الضيق، أمَّا الآن فالحقُّ للكلِّ في نقاش الكل، وأصبح الفيس بوك محيطًا هادرًا تتلاطم فيه أمواجُ أفكارٍ لا أوَّل لها ولا آخر، ولا ضابط لها كما يقولون ولا رابط.   
والمتأمِّل فيما كان وما أصبح قد يبدو له الأمر تطوُّرًا طبيعيًّا يوازي كافَّة التغيُّرات التي طرأت على حياة الإنسان؛ ولكني هنا أرى أنَّ ثـمَّة تفرُّدًا للمصريين في تعاملهم مع ذلك الضيف الإلكتروني. نعم.. لا يختلفُ أحدٌ أنَّ الفيس بوك هو مَن غيَّر حياة المصريين بل وتاريخهم المعاصر تمامًا؛ حينما طرح عليه بعض الشباب فكرة الخروج يوم الخامس والعشرين من يناير للصراخ - وللصراخ فقط- في ميادين مصر المختلفة؛ تعبيرًا عن رفضهم لما انحدرت إليه  أحوال بلادهم الداخلية والخارجية، وأزعم أنه لم يكن في أذهانهم أيُّ رؤًى واضحةٍ مستقرَّةٍ لصورة هذا التغيير، ولكنَّهم كانوا وطنيين ومخلصين، فكلَّل الله مسعاهم وإخلاصهم بنجاح ثورتهم المجيدة، وساعدهم في ذلك ما كان يتمتَّع به النظام السابق ومؤيِّدوه من أنانيةٍ وغرور، وما اجتمع فيهم جميعًا – إمَّا مصادفةً أو اختيارًا إلهيًّا محكمًا-  من غباءٍ فطريٍّ وشَرَهٍ لحبِّ السُّلطة والمال أوقعهم في أخطاءٍ وحماقات كانت كفيلةً بالقضاء على ذاك النظام، وتحوُّلِ رموزه جميعًا من ساكني القصور إلى ساكني السجون.. ولا عزاء.
والسؤال.. هل توقَّف دور الفيس بوك بعد نجاح الثورة عن التحريض الإيجابي للتحرُّك نحو التغيير والقضاء على الفساد، وتحوَّل ليعود مرةً أخرى إلى دوره الأساسي في الحوار والنقاش الثقافي والسياسي والاجتماعي؟ ودوره – بالمناسبة- لا يتعدَّى ذلك في كلِّ بلاد الدنيا عدا مصر والبلاد العربية.
تأمَّلتُ وأنا أفكرُّ في أمر هذا الفيس بوك قولَه تعالى: "ولو اتَّبعَ الحقُّ أهواءَهم لفسدت السماوات والأرض".
 وتساءلت: هل من الصالح للمجتمع أن يكون لكلِّ إنسانٍ الحقُّ في طرح أفكاره التي يؤمن بها، والدعوة إليها، أيًّا كانت هذه الأفكار؟
وهل من الممكن للدولة كدولة مؤسساتٍ أن تدخل في نقاشٍ وجدالٍ مع أفراد المجتمع  (فُرادى) حول رؤاهم وتصوُّراتهم عن قضايا ومشاكل مجتمعهم؟
 وهل لأفراد المجتمع أن يتَّخذوا قراراتٍ مَصِيريةً ويُجمعوا عليها، ويحشدوا الآلاف في مظاهرةٍ مليونية - كما اصطُلح على تسمية المظاهرات ذات الطابع المصيري والطلبات التي لا رجعة فيها- لتأكيد ضرورة تنفيذها (كما حدث في الثورة)؟
ولا شكَّ أن الشعب لن ينتهي، ويوم الجمعة لن ينتهي أيضًا، وميدان التحرير لن يهاجر من مصر لدولةٍ أخرى، ولكن.. .
وفي محاولةٍ للإجابة على هذه الأسئلة الثلاث تصادمتُ بحائطٍ مكتوبٌ عليه:
مصر الآن يتحقَّق فيها كلُّ ما تتساءل عنه، وما لم يأتِ لمصرَ رئيسٌ قويٌّ عادلٌ حكيم، ينجح بحكمته في أن يوصل لهذا الشعب أنَّ الدولة المتحضرة لا تقوم على أفراد (رؤساءَ كانوا أو مرؤوسين) وإنما تقوم على مؤسَّسات يفوِّضها الأفراد مُجمعين من خلال برلمانٍ مُنتخب لإدارة شؤونها داخليًّا وخارجيًا.
 وينجح أيضًا بقوته التي ينقلها لمؤسسات الدولة أن يوصل للشعب أنَّ حريته تحتاج لقوةٍ قانونية وأمنية تحميها وترشِّدها، وإلا تحوَّلت تلك الحرية إلى فوضى. والتفرقة بين هذه وتلك لن تتم إلا بسلطة القانون وقوته.
وينجح أيضًا بعدله أن يوصل للشعب أنَّ كلَّ أفراده في عينه سواء، وكما أنَّه لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ إلاَّ بالتقوى، كذلك فلا فضلَ لمصريٍّ على مصريٍّ إلاَّ بمدى احترامه للقانون وتنفيذه له.
وإلى أن يأتي هذا الرئيس..
 للأسف،
سيظلُّ الفيس بوك رئيسًا لمصر.  


۞ الرُّهاب.. مَرضُ الثَّوْرَةِ المصريَّة


بقلم: أحمد عبد الرحيم
نعم.. وبكلِّ صراحة، لقد أصاب المصريين بعد نجاح ثورتهم ذلك المرض، مرضُ الخوف، الذي إن كان في الماضي خوفًا مبرَّرًا، عانينا منه في ظلِّ العيش تحت القهر والبطش والاستبداد والذل؛  فإنه صار الآن رُهابًا من ممارسات الماضي، ومن المسمَّيات، ومن السلطة بكلِّ أشكالها؛ أمنيةً كانت أو مؤسَّسية أو حتى قانونية.
 ومرضُ الرُّهاب أو الفوبيا أو الخوف اللامنطقي من الأشخاص أو الأشياء، هو أخطر الأمراض – في نظري-  التي أصابت المصريين بعد الثورة، وهو ذاتُه الذي يتسبَّب فيما يعاني منه المصريون اليوم: من فتنةٍ قد تُودِي بوحدة المصريين التي لم تتفكك منذ آلاف السنين، ومن ضياعٍ للأمن في النفوس والمؤسسات والشوارع، وخلقٍ لذلك الجدلِ الساذج حول  حتمية  تطبيق سلطة القانون كحلٍّ للفوضى التي نمر بها، والتي من المُفترَض أن تكون فوق كلِّ السلطات، وهي كذلك في كلِّ دول العالم المتحضِّر، فأصبحنا نرى الدولة تستعين بمشايخَ وقساوسة ورجال مجتمع؛ لحلِّ قضاياها ونزاعات أبنائها، وكأننا نبني وطنًا من جديد، ونبحث لمشاكله عن حلول!
 ومن أشدِّ مظاهر الخوف اللامنطقي عند المصريين اليوم الخوفُ المتبادَل بين رجال الشرطة والمواطنين، والذي لم تُجدِ معه - إلى الآن- كلُّ نداءات (الشرطة والشعب إيد واحدة)، فأصبح الشارع المصريُّ يكاد يخلو من رجال الشرطة، وإن وُجدوا فيه فلتنظيم المرور، أو لأداء وظيفةٍ يخاف صاحبُها أن يُهدَّد بالفصل منها، أو بالسجن إذا اعتدى على أحد المواطنين. أمَّا ما عهدناه – مجازًا- عن رجل الشرطة الذي يُعرف عند المصريين بـ"رجل الأمن" فغير موجود؛ إذ تخلَّى رجل الشرطة المصريّ عن دوره في حماية الأمن طوعًا، كما تخلَّى قسرًا عن سلطة البطش والقهر التي كان يمارسها من قبلُ ضد المواطنين.
وقد بدت أعراض هذه الفوبيا تظهر حينما واجهت الشرطة المتظاهرين بضراوةٍ وعنفٍ أخرق، كَسَرَ - هو نفسُه– حاجزَ الخوف بين الشرطة والشعب، وتعالت هتافات المصريين بعد انسحاب الشرطة المُخزي يوم جمعة الغضب، فردد الثوار: (كلنا لجان شعبية، وهنحمي الجمهورية، من الشرطة البلطجية). ولعلهم نسوا أو أنستهم القنابل المسيِّلة للدموع أنَّ الشرطة كانت هي الأمن، وستظل، وهي التي تحمي الشعب من البلطجية والمجرمين!
ومن مظاهر الفوبيا عند المصريين اليوم، الفوبيا من المسميات، فأصبح المصريُّ لا يطيق أن يسمع عبارة أمن الدولة، أو حالة الطوارئ، حتى إنني سمعت من هتافات ميدان التحرير قولَ الثوار: (بالتلاتة طالق طالق، أمن الدولة والطوارئ)، أي ذهابٍ بلا رجعة. وقد استجابت الحكومة للثوار عملاً بمبدأ الشرعية من التحرير، فألغت مشكورةً حالة الطوارئ، وغيَّرت اسم أمن الدولة إلى الأمن الوطني!
وأنا أكاد أجزم أنَّ الشعب ما زال عنده فوبيا من مجلس الشعب ومجلس الشورى والمجالس المحلية والمحافظين ورؤساء الأحياء، وفوق كلِّ ذلك الفوبيا العظمى من منصب رئيس الجمهورية.
أما فوبيا المصطلحات والأحزاب السياسية فحدِّث ولا حرج، فالإسلاميون بمختلف توجُّهاتهم يخشون من الليبراليين والعلمانيين، وإن زعموا غير ذلك. وهؤلاء بدورهم يستعدُّون لمواجهة المدِّ الإسلامي الذي خلت الساحة أمامه، فبعد أن كانت الجماعة الممثِّلة لذلك التيار تُسمَّى جماعة الإخوان المحظورة، أصبح يُنتظر لها أن يكون حزبها هو حزب الأغلبية في البرلمان!
وارتفعت حدَّة تلك الفوبيا حينما طغى على الساحة المصرية ذلك الصراع الأحمق بين السلفيين والكنيسة حول إسلام هذه أو خطف تلك. وكأنَّ مصر التي هي منذ آلاف السنين بلدٌ للمصريين، نخشى الآن أن تصبح إمارةً سلفية أو فاتيكانًا آخر ولكن للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية!
وإن كانت أعراض هذا الخوف اللامنطقي قد لا تبدو واضحةً عند بعض المثقَّفين والكُتَّاب؛ لأنهم يحاولون تجميل الصورة وإظهار الحيادية والموضوعية، والقدرة التنظيرية المطلقة على مواجهة مشاكل الشعب المصري وأزماته؛ إلاَّ أن وجوه الناس في الشوارع ونظراتهم الحائرة، وتصرفاتهم التي هي في كثيرٍ من الأحيان متهوِّرة، كلَّ ذلك يجعل من الضروريِّ أن نبحثَ عن حلٍّ لكلِّ هذا الخوف الذي أصاب المصريين بعد الثورة، والذي أرى أنه خوفٌ طبيعيٌّ بل صحيّ، لجسد أمةٍ عانت لعقودٍ طويلةٍ من خوفٍ جبريّ، أَخْرَسَ لسانَها، وأعمى عينَها، بل وبَلَّد قلب الكثيرين من أبنائها.
وما أطرحه هنا كحلٍّ لهذا المرض: أنَّه كما أنَّ الرُّهاب المرضيَّ ليس كلُّه بدرجةٍ واحدةٍ من الخطورة والضَّرر، كذلك فإنَّ الكثيرَ من هذه المخاوف لدى المصريين هي مخاوفُ وقتية، ولعل بعضها ضروريّ بعد الثورات، كخوفِ المصريين من أمن الدولة والطوارئ ورفضهم للحزب الوطني. ولكنَّ التمادي في هذا الخوف حتى يتحوَّلَ رفضُ أمن الدولة لرفض الشرطة، ورفض الطوارئ لرفض القانون، ورفض الحزب الوطني وممارساته السُّلطوية الموحَّدة، إلى رفض كلِّ فصيلٍ من أبناء الوطن - دينيًّا كان أم سياسيًّا- للفصيل الآخر؛ فهذا هو الرُّهاب الذي ينبغي علينا جميعًا مواجهته.
ولتصمُتْ الآن كلُّ الشعارات ، وليعلُ قولُنا: الشعب يريد أن يحمي ثورته.
 وأيضًا كما أنَّ الرُّهاب المرضي لم ينجع معه أيُّ علاجاتٍ نفسيةٍ وقتية، أو مسكناتٍ وأدويةٍ موضعية، إلا طريقة واحدة للتخلُّص من هذا المرض؛ كذلك فإنَّ التخبُّط والخوف الذي يمرُّ به المصريون ليس له إلا علاجٌ واحد. والعلاج في الحالتين هو: (المواجهة).
ولتبدأ مواجهة الدولة للشعب، بتفعيل سلطة القانون فورًا، أيًّا كان هذا القانون مادامت السلطة التي ارتضاها الشعب ارتأت أنَّ هذا القانون في مصلحته، فعلى أفراد الشعب أن يستجيبَ - طوعًا أو جبرًا- لسلطة القانون، ومَن يخالفه يُعاقَب.
 وليس أمام الشعب إذا بدا له عدم صلاحية هذا القانون إلاَّ أن يتوجَّه للمنافذ الشرعية (البرلمان) لتغييره. وما ارتضى تغييره، يصير متغيره قانونًا يجب تطبيقه واحترامه.
والمواجهة الثانية هي مواجهة الشرطة للشعب وكذلك مواجهة الشعب للشرطة، وليفهم الجميعُ أنَّ الشرطة جهازٌ قانونيٌّ وتنفيذيُّ سُلطويّ، قانوني من حيثُ إنَّه لا يُفعَّل عملُه إلاَّ في وجود قانونٍ يصدر من الجهة القانونية (القضائية) يجب تنفيذُه ويحظر مخالفتُه، وسُلطويّ لأنه مادام يلتزم بالقوانين بما في ذلك قوانين حماية الإنسان، فيجب على جميع أفراد الشعب معاونته في أداء عمله والاستجابة له، وله كامل الحق في استخدام كافة وسائل المواجهة ضد المجرمين والقتلة. ويجب أن يكون أفراد الشرطة وكذلك أفراد الشعب على قناعةٍ تامَّةٍ بذلك. والتحدِّي الأكبر أمام رجال الشرطة أن يُثبتوا للشعب أنهم منه، وينبُذون من داخلهم كلَّ فاسدٍ نَفْعِيّ، يضرُّ بمصلحة هذا الشعب.
وأما المواجهة الثالثة فهي المواجهة بين التيارات السياسية المختلفة، وهي لن تكون إلا مواجهةً فكرية. فليواجه الإسلاميُّ الليبراليَّ وغيرَه بما شاء من أفكار، وليواجه الاشتراكيَّ الرأسماليُّ بما شاء، وليتنافسوا أحزابًا حول مقاعد البرلمان، ولنترك اختيارَ الأصلح للشعب. وليُخطئ الشعبُ في اختياره لممثِّليه في البرلمان أو في اختياره لرئيسه، ثم لا يلبث سنواتٍ ويتدارك أمره، ما دمنا نعيش في ديمقراطيةٍ وتداولٍ للسلطة.
 ولنعِش على هذا الوطن أخوةً متحابين، لا نبتغي سوى رفعته، ولا نرجو سوى الأمان والخير لكلِّ أبنائه، وإن كان لكلٍّ منَّا مشربُه وتوجهُه المختلف عن الآخر.
 ولنتذكر جيدًا أنَّنا ورثنا عن شهداء هذه الثورة المجيدة كنـزًا لا ينبغي علينا أن نضيِّعه كما ضاعت من مصر كنوزٌ عظيمةٌ من قبل؛ لأنَّ هذا الكنـز هو أغلاها وأعظمها على الإطلاق. إنَّه "كنـز الحريَّة" الذي – أزعمُ- أنه لم يعرفه آباؤنا ولا أجدادنا.
 فعارٌ علينا أن نفرِّط فيه، ولنتعاهد جميعًا ألاَّ نُسلِّم مصر إلى أبنائنا إلاَّ وهي حرَّةٌ ومتحضرةٌ ومتقدمة؛ ليحيوا على أرضها أحرارًا.   

        



۞ تساؤلٌ وحيرة (هل المسلمون هم المسلمون؟!)




بقلم: أحمد عبد الرحيم
 
إننا نعيش حالاً لا نظيرَ لها، غيرَ مسبوقةٍ في واقع، ولا محكيٍّ عنها في رواية.
دائمًا ما يَشغلُني تساؤلٌ، وتنتابُني حيرة، حينما أتأمل هذا الدين العظيم وما جاء به من تيسيرٍ ورحمة، يَصدُق معها قول الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا، يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا]النساء:27،28[.
وأتأمل في الجانب الآخر ما آل إليه حال المنتسبين إلى هذا الدين من تشرذم واختلاف، وسوء فهم.  
أما التساؤل الذي يشغلني فهو: هل المسلمون هم المسلمون؟؟؟
وأما الحيرة التي تنتابني فهي: هل نحن إلى الآن–  لا ندرك أسباب هذه الفجوة الكبيرة، والكبيرة جدًا، بين ما كان عليه أسلافنا، وما آل إليه حالنا!!!
لقد مرَّت الدولة الإسلامية بأهوالٍ عظام، ونكباتٍ جسام، منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنَّ عظمتها تضاءلت أمام عظمة هذا الدين، وأهوالها انكشفت أمام رسوخ إيمان أهله به، وفهمهم له. ولا يزال الدين عظيمًا، وسيظل، هذا يقين لا مِراءَ فيه، ولا خلاف عليه، ولكن.. أين هم هؤلاء الرجال العظام الذين اطَّلع الله على قلوبهم، فحمَّلهم أمانة حمل وتبليغ هذا الدين العظيم للعالمين، فحملوا أمانته، وفهموا مقصده، فعاشوا به وله، وبسيادته صاروا أسيادًا في الدنيا، وبُشِّروا في الآخرة بسُكنى الجنان ومجاورة الرحمن.
إنَّ المشكلة لا تكمن بأيِّ حالٍ من الأحوال في قوة أعدائنا، لا، ولا في سطوتهم وتمكُّنهم، وإلاَّ فقد تمكَّنت عاد وثمود، وطغي وتكبَّر النمرود، وبغى وتجبَّر فرعون، وسطى وتسلَّط قارون، ومصيرهم ومآلهم لا يخفى. إنَّ المشكلة فينا، وفي إيماننا وفي عملنا، إنَّها في تسلُّط أنفسنا علينا، وسطوة ادِّعائنا على علمنا، وطغيان حقدنا على فهمنا.
لماذا خلاف مَن قبلنا وسعهم، وضاق بنا خلافنا؟
لماذا نرى خطأ غيرنا جبلاً في أعيننا، ولا نرى أخطاءنا، أو نتعامى عنها؟
لماذا نسقط قبل أن نخطو خطوة واحدة في حلبة السباق، وأعداؤنا قد سبقونا بآلاف الأميال، وينظرون إلينا والسخرية تملأ وجوههم؟ 
لم يخلُ العالم من فاسدين مُفسِدين، وكافرين ومنافقين، ولن يخلو. قديمًا كان الزنادقة يرتعون ويعربدون في كلِّ مكانٍ من الدولة الإسلامية، وكذلك كان أصحاب المذاهب الفاسدة والعقائد الباطلة، وفي المقابل كانت جيوش الإسلام تفتح البلاد، وكان العلماء ينتشرون كالنجوم في شتى ربوعها يُعلِّمون العباد، وكان يَعمر المساجد المتصوفة والزهاد، والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر يأمرون وينهون، كان المسلمون مع أهل الكتاب من يهودٍ ونصارى يتعايشون ويتناظرون، كانوا أقوياء بما عندهم من عقيدةٍ ثابتةٍ ويقينٍ قويٍّ، تلك العقيدة وهذا اليقين أكسبهم العزة، فلازموها ولازمتهم في السرَّاء والضراء، وفي الهزائم والانتصارات. أما اليوم..
 فالفاسدون هم الفاسدون، والكافرون هم الكافرون، والمنافقون هم المنافقون،
 ولكنَّ.. المسلمين ليسوا هم المسلمين.